فصل: الباب الثاني في استيفاء الحد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 كتاب الردة

هي أفحش أنواع الكفر وأغلظها حكماً‏.‏

وفيه بابان

 الباب الأول في حقيقة الردة

ومن تصح منه وفيه طرفان‏.‏

الطرف الأول في حقيقتها وهي قطع الإسلام ويحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر وتارة بالفعل والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح كالسجود للصنم أو للشمس وإلقاء المصحف في القاذورات والسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها قال الإمام في بعض التعاليق عن شيخي أن الفعل بمجرده لا يكون كفرا قال وهذا زلل عظيم من المعلق ذكرته للتنبيه على غلطه وتحصل الردة بالقول الذي هو كفر سواء صدر عن اعتقاد أو عناء أو استهزاء هذا قول جملي وأما التفصيل فقال المتولي من اعتقد قدم العالم أو حدوث الصانع أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع ككونه عالماً قادراً أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع كالألوان أو أثبت له الاتصال والانفصال كان كافراً وكذا من جحد جواز بعثة الرسل أو أنكر نبوة نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أو كذبه أو جحد آية من القرآن مجمعاً عليها أو زاد في القرآن كلمة واعتقد أنها منه أو سب نبياً أو استخف به أو استحل محرماً بالإجماع كالخمر واللواط أو حرم حلالاً بالإجماع أو نفى وجوب مجمع على وجوبه كركعة من الصلوات الخمس أو اعتقد وجوب ما ليس بواجب بالإجماع كصلاة سادسة وصوم شوال أو نسب عائشة رضي الله عنها إلى الفاحشة أو ادعى النبوة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم أو صدق مدعياً لها أو عظم صنما بالسجود له أو التقرب إليه بالذبح باسمه فكل هذا كفر‏.‏

قلت قوله إن جاحد المجمع عليه يكفر ليس على إطلاقه بل الصواب فيه تفصيل سبق بيانه في باب تارك الصلاة عقب كتاب الجنائز ومختصره أنه إن جحد مجمعاً عليه يعلم من دين الاسلام ضرورة كفر إن كان فيه نص وكذا إن لم يكن فيه نص في الأصح وإن لم يعلم من دين الاسلام ضرورة بحيث لا يعرفه كل المسلمين لم يكفر والله أعلم‏.‏

قال المتولي ولو قال المسلم يا كافر بلا تأويل كفر لأنه سمى الاسلام كفراً والعزم على الكفر في المستقبل كفر في الحال وكذا التردد في أنه يكفر أم لا فهو كفر في الحال وكذا التعليق بأمر مستقبل كقوله إن هلك مالي أو ولدي تهودت أو تنصرت قال والرضى بالكفر كفر حتى لو سأله كافر يريد الإسلام أن يلقنه كلمة التوحيد فلم يفعل أو أشار عليه بأن لا يسلم أو على مسلم بأن يرتد فهو كافر بخلاف ما لو قال لمسلم سلبه الله الإيمان أو لكافر لا رزقه الله الإيمان فليس بكفر لأنه ليس رضى بالكفر لكنه دعا عليه بتشديد الأمر والعقوبة عليه‏.‏

قلت وذكر القاضي حسين في الفتاوى وجهاً ضعيفاً أن من قال لمسلم سلبه الله الإيمان كفر والله أعلم‏.‏

ولو أكره مسلماً على الكفر صار المكره كافراً والإكراه على الإسلام والرضى به والعزم عليه في المستقبل ليس بإسلام ومن دخل دار الحرب وشرب معهم الخمر وأكل لحم الخنزير لا يحكم بكفره وارتكاب كبائر المحرمات ليس بكفر ولا ينسلب به اسم الإيمان والفاسق إذا مات ولم يتب لا يخلد في النار‏.‏

فرع في كتب أصحاب أبي حنيفة رحمه الله اعتناء تام بتفصيل الأقوال والأفعال المقتضية للكفر وأكثرهما مما يقتضي إطلاق أصحابنا الموافقة عليه فنذكر ما يحضرنا مما في كتبهم‏.‏

منها إذا سخر باسم من أسماء الله تعالى أو بأمره أو بوعده أو وعيده كفر وكذا لو قال لو أمرني الله تعالى بكذا لم أفعل أو لو صارت القبلة في هذه الجهة ما صليت إليها أو لو أعطاني الجنة ما دخلتها‏.‏

قلت مقتضى مذهبنا والجاري على القواعد أنه لا يكفر في قوله لو أعطاني الجنة ما دخلتها وهو الصواب والله أعلم‏.‏

ولو قال لغيره لا تترك الصلاة فإن الله تعالى يؤاخذك فقال لو واخذني الله بها مع ما بي من المرض والشدة ظلمني أو قال المظلوم هذا بتقدير الله تعالى فقال الظالم أنا أفعل بغير تقدير الله تعالى كفر ولو قال لو شهد عندي الأنبياء والملائكة بكذا ما صدقتهم كفر ولو قيل له قلم قلت المختار أنه لا يكفر بهذا إلا أن يقصد استهزاء والله أعلم‏.‏

واختلفوا فيما لو قال فلان في عيني كاليهودي والنصراني في عين الله تعالى أو بين يدي الله تعالى فمنهم من قال هو كفر ومنهم من قال إن أراد الجارحة كفر وإلا فلا قالوا ولو قال إن الله تعالى جلس للإنصاف كفر أو قام للإنصاف فهو كفر واختلفوا فيما إذا قال الطالب ليمين خصمه وقد أراد الخصم أن يحلف بالله تعالى لا أريد الحلف بالله تعالى إنما أريد الحلف بالطلاق والعتاق والصحيح أنه لا يكفر واختلفوا فيمن نادى رجلاً اسمه عبد الله وأدخل في آخره حرف الكاف الذي يدخل للتصغير بالعجمية فقيل يكفر وقيل إن تعمد التصغير كفر وإن كان جاهلاً لا يدري ما يقول أو لم يكن له قصد لا يكفر واختلفوا فيمن قال رؤيتي إياك كرؤية ملك الموت وأكثرهم على أنه لا يكفر قالوا ولو قرأ القرآن على ضرب الدف أو القضيب أو قيل له تعلم الغيب فقال نعم فهو كفر واختلفوا فيمن خرج لسفر فصاح العقعق فرجع هل يكفر‏.‏

قلت الصواب أنه لا يكفر في المسائل الثلاث والله أعلم‏.‏

ولو قال لو كان فلان نبيا آمنت به كفر وكذا لو قال إن كان ما قاله الأنبياء صدقاً نجونا أو قال لا أدري أكان النبي صلى الله عليه وسلم إنسياً أم جنياً أو قال إنه جن أو صغر عضواً من أعضائه على طريق الإهانة واختلفوا فيما لو قال كان طويل الظفر واختلفوا فيمن صلى بغير قلت مذهبنا ومذهب الجمهور لا يكفر إن لم يستحله والله أعلم‏.‏

ولو تنازع رجلان فقال أحدهما لا حول ولا قوة إلا بالله فقال الآخر لا حول لا تغني من جوع كفر ولو سمع أذان المؤذن فقال إنه يكذب أو قال وهو يتعاطى قدح الخمر أو يقدم على الزنى باسم الله تعالى واستخفافاً باسم الله تعالى كفر ولو قال لا أخاف القيامة كفر واختلفوا فيما لو وضع متاعه في موضع وقال سلمته إلى الله تعالى فقال له رجل سلمته إلى من لا يتبع السارق إذا سرق ولو حضر جماعة وجلس أحدهم على فكان رفيع تشبهاً بالمذكرين فسألوه المسائل وهم يضحكون ثم يضربونه بالمخراق أو تشبه بالمعلمين فأخذ خشبة وجلس القوم حوله كالصبيان وضحكوا واستهزؤوا وقال قصعة ثريد خير من العلم كفر‏.‏

قلت الصواب أنه لا يكفر في مسألتي التشبه والله أعلم‏.‏

ولو دام مرضه واشتد فقال إن شئت توفني مسلماً وإن شئت توفني كافراً صار كافراً وكذا لو ابتلي بمصائب فقال أخذت مالي وأخذت ولدي وكذا وكذا وماذا تفعل أيضاً أو ماذا بقي ولم تفعله كفر ولو غضب على ولده أو غلامه فضربه ضرباً شديداً فقال رجل لست بمسلم فقال لا متعمداً كفر ولو قيل له يا يهودي يا مجوسي فقال لبيك كفر‏.‏

قلت في هذا نظر إذا لم ينو شيئاً والله أعلم‏.‏

ولو أسلم كافر فأعطاه الناس أموالا فقال مسلم ليتني كنت كافراً فأسلم فأعطى قال بعض المشائخ يكفر‏.‏

قلت في هذا نظر لأن جازم بالإسلام في الحال والاستقبال وثبت في الأحاديث الصحيحة في قصة أسامة رضي الله عنه حين قتل من نطق بالشهادة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ‏"‏ قال حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل يومئذ ويمكن الفرق بينهما والله أعلم‏.‏

ولو تمنى أن لا يحرم الله تعالى الخمر أو لا يحرم المناكحة بين الأخ والأخت لا يكفر ولو تمنى أن لا يحرم الله تعالى الظلم أو الزنى وقتل النفس بغير حق كفر والضابط أن ما كان حلالا في زمان فتمنى حله لا يكفر ولو شد الزنار على وسطه كفر واختلفوا فيمن وضع قلنسوة المجوس على رأسه والصحيح أنه يكفر ولو شد على وسطه حبلاً فسئل عنه فقال هذا زنار فالأكثرون على أنه يكفر ولو شد على وسطه زناراً ودخل دار الحرب للتجارة كفر وإن دخل لتخليص الأسارى لم يكفر‏.‏

قلت الصواب أنه لا يكفر في مسألة التمني وما بعدها إذا لم تكن نيه والله أعلم‏.‏

ولو قال معلم الصبيان اليهود خير من المسلمين بكثير لأنهم يقضون حقوق معلمي صبيانهم كفروا قلت الصواب أنه لا يكفر بقوله النصرانية خير من المجوسية إلا أن يريد أنها دين حق اليوم والله أعلم‏.‏

قالوا ولو عطس السلطان فقال له رجل يرحمك الله فقال آخر لا تقل للسلطان هذا كفر الآخر قلت الصواب أنه لا يكفر بمجرد هذا والله أعلم‏.‏

قالوا ولو سقى فاسق ولده خمراً فنثر أقرباؤه الدراهم والسكر كفروا‏.‏

قلت الصواب أنهم لا يكفرون والله أعلم‏.‏

قالوا ولو قال كافر لمسلم اعرض علي الإسلام فقال حتى أرى أو اصبر إلى الغد أو طلب عرض الإسلام من واعظ فقال اجلس إلى آخر المجلس كفر وقد حكينا نظيره عن المتولي قالوا ولو قال لعدوه لو كان بينا لم أؤمن به أو قال لم يكن أبو بكر الصديق رضي الله عنه من الصحابة كفر قالوا ولو قيل لرجل ما الإيمان فقال لا أدري كفر أو قال لزوجته أنت أحب إلى من الله تعالى كفر وهذه الصور تتبعوا فيها الألفاظ الواقعة في كلام الناس وأجابوا فيها اتفاقاً أو اختلافاً بما ذكر ومذهبنا يقتضي موافقتهم في بعضها وفي بعضها يشترط وقوع اللفظ في معرض الاستهزاء‏.‏

قلت قد ذكر القاضي الإمام الحافظ أو الفضل عياض رحمه الله في آخر كتابه الشفاء بتعريف حقوق نبينا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه جملة في الألفاظ المكفرة غير ما سبق نقلها عن فمنها أن مريضاً شفي ثم قال لقيت في مرضي هذا ما لو قتلت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم استوجبه فقال بعض العلماء يكفر ويقتل لأنه يتضمن النسبة إلى الجور وقال آخرون لا يتحتم قتله ويستتاب ويعزر وأنه لو قال كان النبي صلى الله عليه وسلم أسود أو توفي قبل أن يلتحي أو قال ليس هو بقرشي فهو كفر لأن وصفه بغير صفته نفي له وتكذيب به وأن من ادعى أن النبوة مكتسبة أو أنه يبلغ بصفاء القلب إلى مرتبتها أو ادعى أنه يوحى إليه وإن لم يدع النبوة أو ادعى أنه يدخل الجنة ويأكل من ثمارها ويعانق الحور فهو كافر بالإجماع قطعاً وأن من دافع نص الكتاب أو السنة المقطوع بها المحمول على ظاهره فهو كافر بالإجماع وأن من لم يكفر من دان بغير الإسلام كالنصارى أو شك في تكفيرهم أو صحح مذهبهم فهو كافر وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده وكذا يقطع بتكفير كل قائل قولاً يتوصل به إلى تضليل الأمة أو تكفير الصحابة وكذا من فعل فعلا أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر وإن كان صاحبه مصرحا بالإسلام مع فعله كالسجود للصليب أو النار والمشي إلى الكنائس مع أهلها بزيهم من الزنانير وغيرها وكذا من أنكر مكة أو البيت أو المسجد الحرام أو صفة الحج وأنه ليس على هذه الهيئة المعروفة أو قال لا أدري أن هذه المسماة بمكة هي مكة أم غيرها فكل هذا أو شبهه لا شك في تكفير قائله إن كان ممن يظن به علم ذلك ومن طالت صحبته المسلمين فإن كان قريب عهد بإسلام أو بمخالطة المسلمين عرفناه ذلك ولا يعذر بعد العريف وكذا من غير شيئاً من القرآن أو قال ليس بمعجز أو قال ليس في خلق السماوات والأرض دلالة على الله تعالى أو أنكر الجنة أو النار أو البعث أو الحساب أو اعترف بذلك ولكن قال المراد بالجنة والنار والبعث أو الحساب أو اعترف بذلك ولكن قال المراد بالجنة والنار والبعث والنشور والثواب والعقاب غير معاًنيها أو قال الأئمة أفضل من الأنبياء‏.‏

الطرف الثاني فيمن تصح ردته وشرطها التكليف فلا تصح ردة صبي ولا مجنون ومن ارتد ثم جن لا يقتل في جنونه وكذا من أقر بالزنى ثم جن لا يقام عليه الحد لأنه قد يرجع عن الإقرار بخلاف ما لو أقر بقصاص أو حد قذف ثم جن فإنه يستوفى في جنونه لأنه لا يسقط برجوعه وبخلاف ما لو قامت بينة بزناه ثم جن قال البغوي هذا كله على سبيل الاحتياط فلو قتل في حال الجنون أو أقيم عليه الحد فمات لم يجب شيء وتصح ردة السكران على المذهب كما سبق في طلاقه فإن صححناها فارتد في سكره أو أقر بالردة وجب القتل لكن لا يقتل حتى يفيق فيعرض عليه السلام وفي صحة استتابته في السكر وجهان حكاهما البغوي أحدهما نعم لكن يستحب أن تؤخر إلى الإفاقة والثاني المنع وبه قطع ابن الصباغ لأن الشبهة لا تزول في ذلك الحال ولو عاد إلى الإسلام في السكر صح إسلامه وارتفع حكم الردة وسبق ذكر طريق أنه يصح تصرف السكران فيما عليه دون ماله فعلى هذا لا يصح إسلامه وإن صحت ردته وقيل لا يصح قطعاًوالمذهب الأول فإن صححنا إسلامه فقتله رجل لزمه القصاص والضمان على المشهور وحكي قول في إهداره وإن قلنا لا تصح ردة السكران فقتل تعلق بقتله القصاص والضمان وعن ابن القطان تجب الدية دون القصاص للشبهة والصحيح الأول ولو ارتد صاحياً ثم سكر فأسلم حكى ابن كج القطع بأنه لا يكون إسلاماً والقياس جعله على الخلاف‏.‏

 فصل المؤمن إذا أكره على أن يتكلم بكلمة الكفر فتكلم بها

لا يحكم بردته فلا تبين زوجته ولو مات ورثه ورثته المسلمون وسبق في أول الجنايات أنه يباح له التكلم بكلمة الكفر بالإكراه وأن الأصح أنه لا يجب وأن الأفضل أن يقبت ولا يتكلم بها وهل تقبل الشهادة على الردة مطلقاً أم لا تقبل حتى يفصل لاختلاف الناس فيما يوجبها فيه قولان أظهرهما الأول وعلى هذا لو شهد عدلان بردته فقال كذباً أو ما ارتددت قبلت شهادتهما ولا يغنيه التكذيب بل يلزمه أن يأتي بما يصير به الكافر مسلماً ولا ينفعه ذلك في بينونة زوجته وكذا الحكم لو شرطنا التفصيل ففصلا وكذبهما فلو قال كنت مكرهاً فيما فعلته نظر إن كانت قرائن الأحوال شهد له بأن كان في أسر الكفار أو كان محفوفاً بجماعة منهم وهو مستشعر صدق بيمينه قال صاحب البيان وغيره وكذا الحكم لو قامت بينة بإقراره بالبيع وغيره وكان مقيداً أو محبوساً فقال كنت مكرهاً وإن لم تشهد القرائن بصدقه بأن كان في دار الإسلام لم يقبل قوله مكرهاً وإن لم تشهد القرائن بصدقه بأن كان في دار الإسلام لم يقبل قوله وأجريت عليه أحكام المرتدين وكذا لو كان في دار الحرب وهو مخلى آمن ولو لم يقل الشاهدان‏:‏ ارتد بل قالا‏:‏ تلفظ بكلمة الكفر فقال‏:‏ صدقا ولكنني كنت مكرهاً قال الشيخ أبو محمد وتابعوه عليه يقبل قوله لأنه ليس فيه تكذيب الشاهد بخلاف ما إذا شهد بالردة فإن الإكراه ينافي الردة ولا ينافي التلفظ بكلمتها قال الشيخ‏:‏ والجزم أن يجدد كلمة الإسلام فلو قتل قبل التجديد فهل يكون قتله مضموناً لأن الردة لم تثبت أم لا لأن لفظ الردة وجد والأصل الاختيار فيه قولان قال الإمام‏:‏ والقولان إذا لم يدع الإكراه أو لم يحلف عليه فأما إذا دعاه وحلف عليه فقد ثبت الإكراه بالحجة فنقطع بأنه مضمون وفيما ذكرنا دلالة بينة على أنهما لو شهدا بردة الأسير ولم يدع إكراهاً حكم بردته ويؤيده ما حكي عن القفال أنه لو ارتد أسير مع الكفار ثم أحاط بهم المسلمون فاطلع مع الحصن وقال‏:‏ أنا مسلم وإنما تشبهت بهم خوفاً قبل قوله وحكم بإسلامه وإن لم يدع ذلك حتى مات فالظاهر أنه ارتد طائعاً وإن مات أسيراً وعن نص الشافعي رحمه الله أنهما لو شهدا بتلفظ رجل بالكفر وهو محبوس أو مقيد لم يحكم بكفره وإن لم يتعرض الشاهدان للإكراه وفي التهذيب أن من دخل دار الحرب وكان يسجد للصنم ويتكلم بالكفر ثم قال‏:‏ كنت مكرهاً فإن فعله في مكان خال لم يقبل قوله كما لو فعله في دار الإسلام وإن فعله بين أيديهم قبل قوله إن كان أسيراً وإن كان تاجراً فلا‏.‏

فرع مات معروف بالإسلام عن ابنين مسلمين فقال أحدهما‏:‏ مات مسلماً وقال الآخر كفر بعد إسلامه ومات كافراً فإن بين سببه فقال سجد لصنم أو تكلم بكلام كفر به فلا إرث له ويصرف نصيبه إلى بيت المال وإن أطلق فثلاثة أقوال أحدها يصرف إليه نصيبه ولا أثر لإقراره لأنه قد يتوهم ما ليس بكفر كفرا والثاني يجعل فيئاً والثالث وهو الأظهر يستفصل فإن ذكر ما هو كفر كان فيئاً وإن ذكر ما ليس بكفر صرف إليه ولو قال مات كافراً لأنه كان يشرب الخمر ويأكل الخنزير فهل يرثه قولان أظهرهما نعم‏.‏

فرع تلفظ أسير بكلمة كفر مكرهاً لا يحكم بكفره فإن مات هناك مات مسلماً وورثه ورثته المسلمون فإن رجع إلى دار الإسلام عرض عليه الدين لاحتمال أنه كان مختاراً فيما أتى به وهنا ثلاثة أشياء أحدها أطلق الجمهور العرض وشرط له ابن كج أن لا يؤم الجماعات ولا يقبل على الطاعات بعد العود إلينا فإن فعل ذلك فلا عرض‏.‏

الثاني سكت الجمهورعن كون هذا العرض مستحباً أم واجباً وقال ابن كج مستحب لأنه لو أكره على الكفر في دار الإسلام لا يعرض الإسلام عليه بعد زوال الإكراه بإتفاق الأصحاب‏.‏

الثالث إذا امتنع بعد العرض فالمنقول أنه يحكم بكفره ويستدل بامتناعه على أنه كان كافراً عند التلفظ ومقتضى هذا أن الحكحم بكفره من يومئذ قال الإمام وفي الحكم بكفره احتمال ولو مات قبل العرض والتلفظ بالإسلام فالصحيح أنه كما لو مات قبل أن يعود إلينا وقيل يموت كافراً وكان من حقه إذا جاء أن يتكلم بكلمة الإسلام‏.‏

فرع ارتد الأسير مختاراً ثم رأيناه يصلي صلاة المسلمين في دار الحرب فالصحيح المنصوص أنه يحكم بإسلامه بخلاف ما لو صلى في دار الإسلام لا يحكم بإسلامه لأنها في دار الحرب لا تكون إلا عن اعتقاد وفي دار الإسلام قد تكون للتقية وقال الإمام قال العراقيون هي إسلام ثم استبعده وقال الوجه في قياس المراوزة القطع بأنه ليس إسلاماً كما لو رأينا الكافر الأصلي يصلي في دار الحرب وسوى صاحب البيان بين الأصلي والمرتد فقال إذا صلى الكافر الأصلي بدار الحرب حكم بإسلامه ولو صلى في دار الإسلام لم يحكم به‏.‏

قلت هذا المنقول عن صاحب البيان هو قول القاضي أبي الطيب وقد سبقت حكاية الرافعي له في صلاة الجماعة وشذ المتولي فحكاه هناك عن نص الشافعي رحمه الله والصحيح الذي عليه الأصحاب أنه لا يكون إسلاما من الأصلي بخلاف المرتد لأن علقة الإسلام باقية في المرتد فصلاته عود منه إلى ما كان ثم سواء في كل ما ذكرنا الصلاة منفرداً وإماماً ومقتدياً وهذا إذا لم يسمع منه لشهد فيها فإن سمعناه فهو مسلم حيث ما كان وأي كافر كان وفيه وجه شاذ سبق في باب الأذان والله أعلم‏.‏

 الباب الثاني في حكم الردة

أحكامها كثيرة متفرقة في الأبواب والمقصود هنا نفسه وولده وماله‏.‏

أما نفسه فمهدرة فيجب قتله إن لم يتب سواء انتقل إلى دين أهل كتاب أم لا حراً كان أو عبداً أو امرأة فإن تاب وعاد إلى الإسلام قبلت توبته وإسلامه سواء كان مسلماً أصلياً فارتد أو كافراً أسلم ثم ارتد وسواء كان الكافر الذي ارتد إليه كفرا ظاهراً أو غيره ككفر الباطنية وسواء كان ظاهر الكفر أو زنديقاً يظهر الإسلام ويبطن الكفر وسواء تكررت منه الردة والإسلام أم لا فيقبل إسلام الزنديق ومن تكررت ردته وغيره هذا هو الصحيح المنصوص في المختصر وبه قطع العراقيون والوجه الثاني لا يقبل إسلام الزنديق قال الروياني في الحلية والعمل على هذا والثالث عن القفال الشاشي أن المتناهين في الخبث كدعاة الباطنية لا تقبل توبتهم ورجوعهم إلى الإسلام ويقبل من عوامهم والرابع عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني أنه إن أخذ ليقتل فتاب لم تقبل وإن جاء تائباً ابتداء وظهرت أمارات الصدق قبلت والخامس عن أبي إسحاق المروزي لا يقبل إسلام من تكررت ردته وعلى الصحيح إذا تكررت ردته وعزر‏.‏

ويقتل المرتد بضرب الرقبة دون الإحراق وغيره ويتولاه الإمام أو من ولاه فإن قتله غيره عزر ويستتاب المرتد قبل قتله وهل الاستتابة واجبة أم مستحبة قولان ويقال وجهان أظهرهما واجبة وعلى التقديرين في قدرها قولان أحدهما ثلاثة أيام وأظهرهما في الحال فإن تاب وإلا قتل ولم يمهل وقيل لا يجب الإمهال ثلاثاً قطعاً وإنما الخلاف في استحبابه ولا خلاف أنه لا يخلى في مدة الإمهال بل يحبس ولا خلاف أنه لو قتل قبل الاستتابة أو قبل مضي مدة الإمهال لم يجب بقتله شيء وإن كان القاتل مسيئاً بفعله‏.‏

فرع إذا وجب قتل المرتد إما في الحال وإما بعد الاستتابة فقال عرضت لي شبهة فأزيلوها لأعود إلى ما كنت عليه فهل نناظره لإزالتها وجهان أحدهما نعم لأن الحجة مقدمة على السيف والثاني لا لأن الشبه لا تنحصر فيورد بعضها بإثر بعض فتطول المدة فحقه أن يسلم ثم يستكشفها من العلماء والأول أصح عند الغزالي وحكى الروياني الثاني عن النص واستبعد الخلاف وعن أبي إسحاق أنه لو قال أنا جائع فأطعموني ثم ناظروني أو كان الإمام مشغولاً بما هو أهم منه أخرناه ولا يجوز استرقاق المرتد بحال سواء فيه الرجل والمرأة‏.‏

 فصل أما ولد المرتد

فإن كان منفصلاً أو انعقد قبل الردة فمسلم حتى لو ارتدت حامل لم يحكم بردة الولد فإن بلغ وأعرب بالكفر كان مرتدا بنفسه وإن حدث الولد بعد الردة فإن كان أحد أبويه مسلماً فهو مسلم بلا خلاف وإن كانا مرتدين فهل هو مسلم أم مرتد أم كافر أصلي فيه ثلاثة أقوال أظهرها مسلم‏.‏

قلت كذا صححه البغوي فتابعه الرافعي والصحيح أنه كافر وبه قطع جميع العراقيين نقل القاضي أبو الطيب في كتابه المجرد أنه لا خلاف فيه في المذهب وإنما الخلاف في أنه كافر أصلي فإذا قلنا إنه مسلم لا يسترق بحال وإن مات صغيراً ورثه قرابته المسلمون ويجزىء عتقه عن الكفارة إن كان رقيقاً وإن بلغ وأعرب بالكفر فمرتد وإن قلنا كافر أصلي جاز استرقاقه قال الإمام ويجوز عقد الجزية معه إذا بلغ وهو كالكافر الأصلي في كل معنى والذي قطع به البغوي وغيره وحكاه الروياني عن المجموع أنه لا يجوز عقد جزية له لأنه ليس كتابياً وإن قلنا إنه مرتد لم يسترق بحال ولا يقتل حتى يبلغ فيستتاب فإن أصر قتل وأولاده أولاد المرتدين حكمهم حكم أولاد المرتدين‏.‏

قلت قال البغوي لو كان أحد الأبوين مرتداً والآخر كافراً أصلياً فإن قلنا إذا كانا مرتدين يكون الولد مسلماً كان هنا مسلماً أيضاً وإن قلنا يكون هناك مرتدا أو كافراً أصلياً كان هنا كافراً أصلياً يقر بالجزية إن كان الأصلي ممن يقربها كما لو كان أحد أبويه مجوسياً والآخر وثنياً وإن كان الأصلي كتابياً كان الولد كتابياً والله أعلم‏.‏

فرع الذمي والمستأمن إذا نقض العهد ولحق بدار الحرب وترك ولده عندنا لا يجوز استرقاقه فإذا بلغ وقبل الجزية فذاك وإلا فلا يجبر ويلحق بالمأمن وفي وجه يسترق ولده بلحوقه بدار الحرب وفي فصل وأما ماله فهل يزول ملكه عنه بنفس الردة فيه أقوال أحدها نعم لزوال عصمة الإسلام وقياساً على النكاح والثاني لا كالزاني المحصن وأظهرها موقوف فإن مات مرتداً بان زواله بالردة وإن أسلم بان أنه لم يزل لأن بطلان أعماله يتوقف على موته مرتداً فكذا ملكه ومنهم من قطع باستمرار ملكه وجعل الخلاف في أنه هل يصير بالردة محجوراً عليه في التصرف والخلاف في زوال الملك يجري في ابتداء التملك إذا اصطاد أو احتطب فإن قلنا يزول قال الإمام ظاهر القياس أنه يثبت الملك لأهل الفيء فيما اصطاد واحتطب كما يحصل ملك السيد فيما احتطب العبد قال وليكن شراؤه واتهابه كشراء العبد واتهابه بغير إذن السيد حتى يجيء الخلاف والذي ذكره المتولي أنه يبقى على الإباحة كما إذا اصطاد المحرم لا يملكه ويبقى الصيد على الإباحة وإن قلنا يبقى ملك المرتب فيما احتطبه أو اصطاده ملكه كالحربي وإن قلنا موقوف فموقوف فإن عاد إلى الإسلام بان أنه ملكه من يوم الأخذ وإن مات مرتداً قال المتولي حكم بأن المأخوذ باق على الإباحة وعلى قياس ما ذكره الإمام يبين أنه لأهل الفيء وعلى الأقوال كلها تقضى من ماله ديونه التي لزمته قبل الردة لأنها لا تزيد على الموت وقد تكون نفقة الزوجة من الدين اللازم قبل الردة ولا تكون نفقة القريب منه لسقوطها بمضي الزمان وقال الاصطخري لا تقضى ديونه على قول زوال الملك ويجعل المال كالتالف والمذهب الأول وأما في مدة الردة فينفق عليه من ماله وتكون نفقته كحاجة الميت إلى الكفن بعد زوال ملكه ونقل ابن كج عن ابن الوكيل أنه لا ينفق عليه على قول زوال الملك بل ينفق عليه مدة الاستتابة من بيت المال وهذا شاذ ضعيف وهل تلزمه نفقة زوجاته الموقوف نكاحهن ونفقة قريبة وغرامة ما يتلفه من الردة على قول زوال الملك وجهان قال ابن سلمة والاصطخري لا واختاره المتولي إذ لا ملك له وأصحهما عند الجمهور نعم كما أن من حفر بئر عدوان ومات وحصل بها إتلاف يؤخذ الضمان من تركته وإن زال ملكه بالموت‏.‏

فرع إذا قلنا بزوال ملكه فأسلم عاد ملكه بلا خلاف لأن إزالة ملكه عقوبة فعاد بالتوبة‏.‏

فرع إذا قلنا بزوال ملكه لا يصح تصرفه ببيع وشراء وإعتاق ووصية وغيرها لأنه لا مال له وفي الشراء ما سبق عن الإمام وإن قلنا يبقى ملكه منع من التصرف نظراً لأهل الفيء وهل يصير بنفس الردة محجوراً عليه أم لا بد من ضرب القاضي وجهان ويقال قولان أصحهما الثاني ومنهم من قطع به وخص الخلاف بقولنا ملكه موقوف ثم على الوجهين هل هو كحجر السفيه لأنه أشد من تضييع المال أم كحجر المفلس لأنه لصيانة حق غيره وجهان أصحهما الثاني فإن قلنا لا بد من ضرب القاض ولم يضرب نفذت تصرفاته وإن قلنا يحصل الحجر بلا ضرب أو بالضرب فضرب فإن جعلناه كحجر السفه لم ينفذ تصرفه في الحال في المال وإذا أقر بدين لم يقبل إقراره وإن جعلناه كمفلس فهل تبطل تصرفاته أم توقف قولان كما في المفلس وإقراره بالدين وبالعين كما سبق في المفلس وإن قلنا بالوقف فكل تصرف يحتمل الوقف كالعتق والتدبير والوصية موقوف أيضاً وأما البيع والهبة والكتابة ونحوها فهي على قولي وقف العقود فعلى الجديد هي باطلة وعلى القديم توقف إن أسلم حكم بصحتها وإلا فلا ولا يصح نكاحه ولا إنكاحه لسقوط ولايته وحكى البغوي على قولنا لا يزول ملكه وجهاً أنه يجوز تزويج أمته إذا لم يحجر الحاكم عليه كسائر تصرفه المالي قال وهذا غير قوي وقطع المتولي وغيره بهذا‏.‏

فرع على الأقوال كلها لا يعتق بالردة مدبر المرتد ولا أم ولده مات مرتداً عتقت المستولدة وفي المدبر كلام يأتي إن شاء الله تعالى‏.‏

سواء في جميع ما ذكرناه التحق المرتد بدار الحرب أم كان في قبضة الإمام وعلى الأقوال يوضع مال مرتد عند عدل وأمته عند امرأة ثقة لأنا وإن قلنا ببقاء ملكه فقد تعلق به حق المسلمين فيحتاط ويؤجر عقاره ورقيقه وأم ولده ومدبره ويؤدي مكاتبه النجوم إلى الحاكم وإذا لحق بدار الحرب ورأى الحاكم الحظ في بيع الحيوان فعل وإذا ارتد وعليه دين مؤجل فإن قلنا بزوال ملكه حل الدين كما لو مات وإن قلنا لا يزول لم يحل وإن قلنا بالوقف فعاد إلى الإسلام بان أنه لم يحل وإذا استولد جاريته نفذ الاستيلاء إن أبقينا ملكه وإن أزلناه فلا فإن أسلم فقولان كما لو استولد المشتري الجارية المبيعة في زمن الخيار وقلنا الملك للبائع فتم البيع‏.‏

 فصل إذا ارتد جماعة وامتنعوا بحصن وغيره

وجب قتالهم ويقدم على قتال غيرهم لأن كفرهم أغلظ ولأنهم أعرف بعورات المسلمين ويتبع في القتال مدبرهم ويذفف على جريحهم ومن ظفرنا به استتبناه وهل عليهم ضمان ما أتلفوه من نفس ومال في القتال فيه خلاف سبق في قتال البغاة وإذا أتلف المرتد في غير القتال فعليه الضمان والقصاص ويقدم القصاص على قتل الردة فإن بادر الإمام بقتله عن الردة أو عفا المستحق أو مات المرتد أخذت الدية من ماله ولو جنى خطأ ومات أو قتل مرتداً أخذت الدية من ماله عاجلاً ولو وطئت مرتدة بشبهة أو مكرهة فإن قلنا الردة لا تزيل الملك فلها مهر المثل كما لو وطئت زانية محصنة بشبهة بخلاف ما لو وطئت حربية بشبهة فلا مهر لأن مالها غير مضمون فكذا منفعة بضعها ومال المرتدة مضمون وإن قلنا يزول ملكها لم يجب كما لو وطىء ميتة على ظن أنها حية بشبهة وإن قلنا الملك موقوف فالمهر موقوف ولو أكره مرتد على عمل فالقول في أجرة مثله كما في المهر ولو استأجره وسمى أجرة بني على صحة عقوده وحكم المسمى إن صححنا عقوده وأجرة المثل إن لم نصححها حكم المهر ولو زنى في ردته أو شرب فهل يكفي قتله أم يحد ثم يقتل وجهان أصحهما الثاني‏.‏

 فصل فيما تحصل به توبة المرتد

وفي معناها إسلام الكفار الأصلي‏:‏ وقد وصف الشافعي رضي الله عنه توبته فقال أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويبرأ من كل دين خالف الإسلام وقال في موضع إذا أتى بالشهادتين صار مسلماً وليس هذا باختلاف قول عند جمهور الأصحاب كما ذكرنا في كتاب الظهار بل يختلف الحال باختلاف الكفار وعقائدهم قال البغوي إن كان الكافر وثنياً أو ثنوياً لا يقر بالوحدانية فإذا قال لا إله إلا الله حكم بإسلامه ثم يجبر على قبول جميع الأحكام وإن كان مقراً بالوحدانية منكراً نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم لم يحكم بإسلامه حتى يقول مع ذلك محمد رسول الله فإن كان يقول الرسالة إلى العرب خاصة لم يحكم بإسلامه حتى يقول محمد رسول الله إلى جميع الخلق أو يبرأ من كل دين خالف الإسلام وإن كان كفره بجحود فرض أو استباحة محرم لم يصح إسلامه حتى يأتي بالشهادتين ويرجع عما اعتقده ويستحب أن يمتحن كل كافر أسلم بالإيمان بالبعث ولو قال كافر أنا ولي محمد لم يصح إسلامه كذا ولو قال أنا مثلكم أو مسلم أو آمنت أو أسلمت لم يصح إسلامه ولو قال أنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أو دينكم حق حكم بإسلامه ولو أقر بركن من أركان الإسلام على خلاف عقيدته كفرضية إحدى الصلوات أو أقر بتحريم الخمر والخنزير حكم بإسلامه وما يصير به المسلم كافراً إذا جحده يصير به الكافر مسلماً إذا أقر به ويجبر على قبول سائر الأحكام فإن امتنع قتل كالمرتد ولو أقر يهودي برسالة عيسى صلى الله عليه وسلم ففي قول يجبر على الإسلام لأن المسلم لو جحد رسالته كفر نقل هذا كله البغوي وهو طريقة ذكرنا في كتاب الكفارات أن الإمام نسبها إلى المحققين والذي عليه الجمهور خلافها‏.‏

فرع في المنهاج للإمام الحليمي أنه لا خلاف أن الإيمان ينعقد بغير القول المعروف وهو كلمة لا إله إلا الله حتى لو قال لا إله غير الله أو لا إله سوى الله أو ما عدا الله أو ما من إله إلا الله أو لا إله إلا الرحمن أو لا رحمن إلا الله أو لا إله إلا البارىء أو لا بارىء إلا الله وان قوله أحمد أو أبو القاسم رسول الله كقوله محمد رسول الله وأنه لو قال كافر آمنت بالله نظر إن لم يكن على دين قبل ذلك صار مؤمناً بالله تعالى وإن كان يشرك بالله تعالى غيره لم يكن مؤمناً حتى يقول آمنت بالله وحده وكفرت بما كنت أشرك به وإن قوله أسلمت لله أو أسلمت وجهي لله كقوله آمنت بالله وأنه لو قيل لكافر أسلم لله أو آمن بالله فقال أسلمت أو آمنت يحتمل أن يجعل مؤمناً وأنه لو قال أؤمن بالله أو أسلم لله فهو إيمان كما أن قول القائل أقسم بالله يمين ولا يحمل على الوعد إلا أن يريده وأنه لو قال الله ربي أو الله خالقي فإن لم يكن له دين قبل ذلك فهو إيمان وإن كان يقول بقدم شيء مع الله تعالى لم يكن مؤمناً حتى يقر بأنه لا قديم إلا الله وكذا الحكم لو قال لا خالق إلا الله وأنه لو قال اليهودي المشبه لا إله إلا الله لم يكن إسلاماً حتى يتبرأ من التشبيه ويقر بأنه ليس كمثله شيء فإن قال مع ذلك محمد رسول الله فإن كان يعلم أن محمداً صلى الله عليه وسلم جاء بنفي التشبيه كان مؤمناً وإلا فلا بد أن يتبرأ من التشبيه وطرد هذا التفصيل فيما إذا قال من يزعم قدم أشياء مع الله لا إله إلا الله محمد رسول الله حتى إذا كان يعلم أن محمداً صلى الله عليه وسلم جاء ينفي ذلك كان مؤمناً وأن الثنوي إذا قال لا إله إلا الله لم يكن مؤمناً حتى يتبرأ من القول بقدم الظلمة والنور أن لا قديم إلا الله كان مؤمناً وأن الوثني إذا قال لا إله إلا الله فإن كان يزعم أن الوثن شريك لله تعالى صار مؤمناً وإن كان يرى أن الله تعالى هو الخالق ويعظم الوثن لزعمه أنه يقربه إلى الله تعالى لم يكن مؤمناً حتى يتبرأ من عبادة الوثن وأنه لو قال البرهمي وهو الموحد الجاحد للرسل محمد رسول الله صار مؤمناً ولو أقر برسالة نبي قبل محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن مؤمنا ويجيء فيه القول الذي حكاه البغوي في يهودي أقر بنبوة عيسى صلى الله عليه وسلم وأن المعطل إذا قال محمد رسول الله فقد قيل يكون مؤمناً لأنه أثبت المرسل وإن الكافر لو قال لا إله إلا الذي آمن به المسلمون صار مؤمناً ولو قال آمنت بالذي لا إله غيره أو بمن لا إله غيره لم يكن مؤمناً لأنه قد يريد الوثن وأنه لو قال آمنت بالله وبمحمد كان مؤمناً بالله لإثباته الإله ولا يكون مؤمناً بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم حتى يقول بمحمد النبي أو محمد رسول الله وأن قوله آمنت بمحمد النبي إيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله آمنت بمحمد الرسول ليس كذلك لأن النبي لا يكون إلا لله تعالى والرسول قد يكون لغيره وان الفلسفي إذا قال أشهد أن الباري سبحانه وتعالى علة الموجودات أو مبدؤها أو سببها لم يكن ذلك إيماناً حتى يقر أنه مخترع لما سواه ومحدثه بعد أن لم يكن وأن الكافر إذا قال لا إله إلا المحيي المميت فإن لم يك من الطبائعيين كان مؤمناً وإن كان منهم فلا حتى يقول إلا الله أو إلا الباري أو اسماً آخر لا تأويل لهم فيه وأن الكافر إذا قال لا إله إلا المالك أو الرازق لم يكن مؤمناً لأنه قد يريد السلطان الذي يملك أمر الجند ويرتب أرزاقهم ولو قال لا مالك إلا الله أو لا رازق إلا الله كان مؤمناً وبمثله أجاب فيما لو قال لا إله إلا الله العزيز أو العظيم أو الحكيم أو الكريم وبالعكوس وانه لو قال لا إله إلا الله الملك الذي في السماء أو إلا ملك السماء كان مؤمناً قال الله تعالى ‏"‏ أأمنتم من في السماء ‏"‏ ولو قال لا إله إلا ساكن السماء لم يكن مؤمناً وكذا لو قال لا إله إلا الله ساكن السماء لأن السكون محال على الله تعالى وأنه لو قال آمنت بالله إن شاء أو إن كان شاء بنا لم يكن مؤمناً وأنه لو قال اليهودي أنا بريء من اليهودية أو نصراني أنا بريء من النصرانية لم يكن مؤمناً لأنه ضد اليهودية غير منحصر في الاسلام وكذا لو قال بريء من كل ملة تخالف الاسلام فليس مؤمناً لأنه لا ينفي التعطيل لأنه مخالف وليس بملة فإن قال من كل ما يخالف الإسلام من دين ورأي وهوى كان مؤمناً وأنه لو قال الإسلام حق لم يكن مؤمناً لأنه قد يقر بالحق ولا ينقاد له وهذا يخالف ما حكينا عن البغوي في قوله دينكم حق وأنه لو قال لمعتقد ملة أسلم فقال أسلمت أو أنا مسلم لم يكن مقراً بالإسلام لأنه قد يسمي دينه الذي هو عليه إسلاماً ولو قال في جوابه أنا مسلم مثلكم كان مقرا بالإسلام ولو قيل لمعطل أسلم فقال أنا مسلم أو من المسلمين كان

 كتاب حد الزنى

هو من المحرمات الكبائر وموجب للحد وفيه بابان‏.‏

 الباب الأول فيما يوجب الحد ومعرفة الحد

وضابط الموجب أن إيلاج قدر الحشفة من الذكر في فرج محرم يشتهى طبعاً لا شبهة فيه سبب لوجوب الحد فإن كان الزاني محصناً فحده الرجم ولا يجلد معه وقال ابن المنذر من أصحابنا يجلد ثم يرجم وإن كان غير محصن فواجبه الجلد والتغريب وسواء في هذين الرجل والمرأة ويشترط في المحصن هنا ثلاث صفات‏.‏

أحدها التكليف فلا حد على صبي ولا مجنون لكن يؤدبان بما يزجرهما‏.‏

الثانية الحرية فليس الرقيق والمكاتب وأم الولد ومن بعضه رقيق محصنين‏.‏

الثالثة الوطء في نكاح صحيح ويكفي تغييب الحشفة ولا يشترط كونه ممن ينزل ويحصل بوطء في الحيض والإحرام وعدة الشبهة ولا يحصل بالوطء بملك اليمين وهل يحصل بالوطء بشبهة أو في نكاح فاسد قولان المشهور وبه قطع الجمهور لا وهل يحصل بوطء زوجة قبل التكليف والحرية وجهان أصحهما عند الجمهور وهو ظاهر النص لا فلا يجب الرجم على من وطىء في نكاح صحيح وهو صبي أو مجنون أو رقيق ثم زنى بعد كماله وحكي وجه ثالث أنه يحصل بوطء الصبي دون الرقيق ووجه رابع عكسه فإن شرطنا وقوعه في حال الكمال فهل يشترط كون الزاني الآخر كاملاً حينئذ فيه ثلاثة أقوال أظهرها لا فلو كان أحدهما كاملا دون الآخر صار الكامل محصناً لأنه حر مكلف وطىء في نكاح صحيح والثاني نعم فلو كان أحدهما غير كامل لم يصر الكامل محصناً والثالث إن كان نقص الناقص بالرق صار الكامل محصناً وإن كان بصغر أو جنون فلا وقال الإمام هذا الخلاف في صغيرة أو صغير لا يشتهيه الجنس الآخر فإن كان مراهقاً حصل قطعاً‏.‏

فرع إذا زنى البكر بمحصنة أو المحصن ببكر رجم المحصن منهما وجلد الآخر وغرب‏.‏

فرع الرقيق يجلد خمسين سواء فيه القن والمكاتب وأم الولد ومن بعضه حر وفيمن نصفه حر ونصفه رقيق وجه أنه يحد ثلاثة أرباع حد الحر ووجه ثالث أنه إن كان بينه وبين سيده مهايأة ووافق نوبة نفسه فعليه حد الحر وإلا فحد العبد والصحيح الأول وهل يغرب العبد نصف سنة أم سنة فصل في تغريب الحر وفيه مسائل‏:‏ أحدها تغرب المرأة كما يغرب الرجل لكن هل تغرب وحدها وجهان أصحهما لا هكذا أطلق مطلقون الوجهين وخصهما الإمام والغزالي بما إذا كان الطريق آمنا فعلى هذا يشترط محرم أو زوج يسافر معها وفي النسوة الثقات عند أمن الطريق وجهان وربما اكتفى بعضهم بواحدة ثقة وشرط بعضهم أن يكون معها زوج أو محرم فإن قلنا بالأصح فتطوع الزوج أو محرم بالسفر أو وجدت نسوة ثقات يسافرن فذاك وإن لم يخرج المحرم ولا الزوج إلا بأجرة أعطي أجرة وهل هي في مالها أم في بيت المال وجهان كأجرة الجلاد أصحهما الأول وإن امتنع من الخروج بأجرة لم يجبر على الأصح كما في الحج فعلى هذا قياس اشتراط المحرم أن يؤخر التغريب حتى يتيسر وذكر الروياني أنها تغرب ويحتاط الإمام في ذلك وإن قلنا بالإجبار وهو محكي عن ابن سريج فاجتمع محرمان أو محرم وزوج فأيهما يقدم لم يتعرض الأصحاب‏.‏

قلت يحتمل وجهين كنظائره أحدهما الإقراع والثاني يقدم باجتهاده من يراه وهذا أرجح والله أعلم‏.‏

الثانية يغرب الزاني إلى مسافة القصر وقيل يجوز دونها وقيل يكفي التغريب إلى موضع لو خرج المبكر إليه لم يرجع بيومه لإطلاق لفظ التغريب والصحيح الأول ولو رأى الإمام التغريب إلى فوق مسافة القصر فعل وقال المتولي إن كان على مسافة القصر موضع صالح لم يجز التغريب إلى ما فوقه والصحيح الأول وبه قطع الجمهورغرب عمر رضي الله عنه إلى الشام وعثمان رضي الله عنه إلى مصر والبدوي يغرب عن حلته وقومه ولا يمكن من الإقامة بينهم ولو عين السلطان جهة لتغريبه فطلب الزاني جهة غيرها فهل يجاب أم يتعين ما عينه الإمام وجهان أصحهما الثاني قال البغوي لا يرسله الإمام إرسالا بل يغربه إلى بلد معين وإذا غرب إلى بلد معين فهل يمنع من الانتقال إلى بلد آخر وجهان أصحهما لا وبه قطع المتولي واختاره الإمام‏.‏

الثالثة قال البغوي لا يمكن المغرب من أن يحمل معه أهله وعشيرته لأنه لا يستوحش حينئذ وله أن يحمل جارية يتسرى بها وما يحتاج إليه للنفقة وقال المتولي لو خرج معه عشيرته لم يمنعوا‏.‏

الرابعة الغريب إذا زنى يغرب من بلد الزنى تنكيلاً وإبعاداً عن موضع الفاحشة لا يغرب إلى بلده ولا إلى بلد بينه وبين بلده دون مسافة القصر ولو رجع هذا الغريب إلى بلده فهل يمنع وجهان أصحهما نعم ثم هذا في غريب له وطن فإن لم يكن بأن هاجر حربي إلى دار الإسلام ولم يتوطن بلداً قال المتولي يتوقف الإمام حتى يتوطن بلداً ثم يغربه ولو زنى مسافر في طريقه غرب إلى غير الخامسة إذا رجع المغرب إلى البلد الذي غرب منه رد إلى الموضع الذي غرب إليه وهل تستأنف المدة أم يبني وجهان أصحهما تستأنف وهما راجعان إلى أنه هل يجوز تفريق سنة التغريب‏.‏

السادسة لا يعتقل في الموضع الذي غرب إليه لكن يحفظ بالمراقبة والتوكيل به فإن احتيج إلى الاعتقال خوفاً من رجوعه اعتقل‏.‏

السابعة لو زنى ثانياً في البلد المغرب فيه غرب إلى موضع آخر قال ابن كج وتدخل بقية مدة الأول لأن الحدين من جنس فيتداخلان‏.‏

الثامنة‏:‏ لو أراد الحاكم تغريبه فخرج بنفسه وغاب سنة ثم عاد قال ابن كج قال بعض الأصحاب يكفيه ذلك والصحيح خلافه لأن المقصود التنكيل ولا يحصل إلا بتغريب الإمام‏.‏

التاسعة قال ابن كج مؤنة المغرب بقدر مؤنة الحضر في ماله وما زاد في بيت المال وهذا غريب‏.‏

قلت الصواب أن الجميع في ماله والله أعلم‏.‏

العاشرة يجوز تقديم التغريب على الجلد‏.‏

فرع ذكر الروياني أن الأصح أنه لا يلزم المغرب أن يقيم في بلد الغربة حتى يكون كالحبس له فلا يمكن من الضرب في الأرض لأنه كالنزهة ومما يناسب التغريب النفي في قطع الطريق وسيأتي إن شاء الله تعالى وثبت في الحديث نفي المخنثين وهو تعزيز‏.‏

فرع ليس من شرط الإحصان الإسلام فإذا زنى ذمي مكلف حر وطىء في نكاح صحيح رجم ولو ارتد محصن لم يبطل إحصانه فلو زنى في الردة أو بعد الإسلام رجم‏.‏

 فصل قولنا إيلاج الفرج في الفرج يدخل فيه اللواط

وهو من الفواحش الكبائر فإن لاط بذكر ففي عقوبة الفاعل قولان أظهرهما أن حده حد الزنى فيرجم إن كان محصناً ويجلد ويغرب إن لم يكن محصناً والثاني يقتل محصناً كان أو غيره وفي كيفية قتله أوجه أحدها بالسيف كالمرتد والثاني يرجم تغليظاً عليه والثالث يهدم عليه جدار أو يرمى من شاهق حتى يموت أخذاً من عذاب قوم لوط صلى الله عليه وسلم‏.‏

قلت أصحهما بالسيف والله أعلم‏.‏

وأما المفعول به فإن كان صغيراً أو مجنوناً أو مكرهاً فلا حد عليه ولا مهر لأن منفعة البضع غير متقومة وإن كان مكلفاً طائعاً فإن قلنا إن الفاعل يقتل قتل المفعول به بما يقتل الفاعل وإن قلنا حده حد الزنى جلد المفعول به وغرب محصناً كان أو غيره وإن وطىء امرأة أجنبية في دبرها فطريقان أصحهما أنه كاللواط بذكر فيجيء في الفاعل القولان وتكون عقوبة المرأة الجلد والتغريب على الأصح وقيل هو زنى في حقها فترجم المحصنة وتجلد وتغرب غيرها ولو لاط بعبده فهو كاللواط بأجنبي ولو وطىء زوجته أو أمته في دبرها فالمذهب أن واجبه التعزيز وقيل في وجوب الحد قولان كوطء الأخت المملوكة‏.‏

فرع المفاخذات ومقدمات الوطء وإتيان المرأة لا حد فيها ولو وجدنا رجلاً وامرأة أجنبيين تحت لحاف ولم يعرف غير ذلك لم نحدهما ويجب التعزيز في هذه الصور ولو وجدنا بامرأة خلية حبلاً أو ولدت وأنكرت الزنى فلا حد‏.‏

قلت ولو لم تنكر ولم تعترف بل سكتت فلا حد وإنما يجب الحد ببينة أو اعتراف والله أعلم‏.‏

والاستمناء حرام وفيه التعزيز ولو مكن امرأته أو جاريته من العبث بذكره فأنزل قال القاضي

فصل أما قولنا المشتهي طبعاً فيحترز عن صورتين أحدهما إذا أولج في فرج ميتة فلا حد في الأصح الثانية إتيان البهيمة حرام وفي واجبه أقوال أظهرها التعزيز والثاني القتل محصناً كان أو غيره والثالث حد الزنى فيفرق بين المحصن وغيره وقيل واجبه واجب اللواط وقيل التعزيز قطعاً فإن قلنا‏:‏ يقتل ففي كيفيته الخلاف السابق في اللوط وفي قتل البهيمة ثلاثة أوجه أصحهما‏:‏ تقتل المأكولة دون غيرها وسواء أتاها في دبرها أو قبلها وقيل‏:‏ إن أتاها في دبرها لم نقتلها وهل يحل أكلها إذا كانت مأكولة فذبحت وجهان أصحهما‏:‏ نعم وقيل يحل قطعاً فإن قلنا لا يحل أكلها أو كانت غير مأكولة فهل يجب ضمانها إذا كانت لغير الفاعل وجهان أصحهما‏:‏ نعم فعلى هذا هل الضمان على الفاعل أم في بيت المال أصحهما‏:‏ الأول كالوجهين في أجرة الجلاد وإن قلنا‏:‏ يحل أكلها ففي التفاوت بين قيمتها حية ومذبوحة الوجهان ولو مكنت امرأة قرداً من نفسها كان الحكم كما لو أتى الرجل بهيمة حكاه البغوي وغيره ولا يثبت اللواط وإتيان البهيمة إلا بأربعة عدول وقيل إن قلنا الواجب التعزيز كفى عدلان وهو ضعيف مخالف للنص‏.‏

 فصل أما قولنا‏:‏ لا شبهة فيه

فالشبهة ثلاثة أقسام في المحل والفاعل والجهة‏.‏

أما الشبهة في المحل فوطء زوجته الحائض والصائمة والمحرمة وأمته قبل الاستبراء وجارية ولده لا حد فيه ولو وطىء أمته المحرمة عليه بمحرمية رضاع أو نسب أو مصاهرة كأخته منهما وبنته وأمه من رضاع وموطوءة أبيه وابنه لم يجب الحد على الأظهر ولو وطىء جارية له فيها شرك أو أمته المزوجة أو المعتدة من غيره أو المجوسية والوثنية أو أسلمت أمة ذمي فوطئها قبل أن تباع فلا حد على المذهب وقيل فيه القولان فإن قلنا‏:‏ لا حد ثبت النسب والمصاهرة وإلا فلا وقيل‏:‏ يثبت النسب وتصير الجارية أم ولد بلا خلاف‏.‏

وأما الشبهة في الفاعل فمثل أن يجد امرأة في فراشه فيطأها ظاناً أنها زوجته أو أمته فلا حد وإذا ادعى أنه ظن ذلك صدق بيمينه نص عليه وسواء كان ذلك ليلة الزفاف أو غيرها ولو ظنها جارية له فيها شرك فكانت غيرها وقلنا لا يجب الحد بوطء المشتركة قال الإمام‏:‏ فيه تردد يجوز أن يقال‏:‏ لا حد لأنه ظن ما يسقط الحد ويجوز أن يقال‏:‏ يحد لأنه علم التحريم وإنما جهل وجوب الحد وكان من حقه أن يمتنع‏.‏

قلت‏:‏ هذا الثاني هو الظاهر الجاري على القواعد في نظائره‏.‏

والله أعلم‏.‏

وأما الشبهة في الجهة فقال الأصحاب‏:‏ كل جهة صححها بعض العلماء وأباح الوطء بها لا حد فيها على المذهب وإن كان الواطىء يعتقد التحريم وذلك كالوطء في النكاح بلا ولي كمذهب أبي حنيفة وبلا شهود كمذهب مالك ونكاح المتعة وقيل‏:‏ يجب في النكاح بلا ولي على من يعتقد تحريمه دون غيره وقيل‏:‏ يجب على من أعتقد الإباحة أيضاً كما نحد الحنفي على شرب النبيذ ولو وطىء المرهونة بإذن الراهن وجب الحد على الصحيح‏.‏

فرع لو تزوج بنته أو غيرها من محارمه بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو من طلقها ثلاثاً أو من لاعنها أو نكح من تحته أبع خامسة أو نكح أختا على أخت أو معتدة أو مرتدة أو نكح ذات زوج أو نكح كافر مسلمة ووطىء عالماً بالحال وجب الحد لأنه وطء صادف محلا لا ملك له فيه ولا شبهة ملك وهو مقطوع بتحريمه فتعلق به الحد وحكى ابن كج فيمن نكح أخته من رضاع ووطىء وادعى جهل التحريم قولين في تصدقيه ولا خلاف أنه لا يقتل في الأخت من النسب ولو نكح وثنية أو مجوسية قال البغوي‏:‏ وجب الحد وقال الروياني في جمع الجوامع‏:‏ لا حد في المجوسية للخلاف ولو ادعى الجهل بكونها معتدة أو مزوجة حلف إن كان ما يدعيه ممكنا ولا حد نص عليه وعن القاضي أبي حامد أنه نقل أن اليمين مستحبة ولو قالت المرأة‏:‏ علمت أني معتدة أو مزوجة حدت وإن لم يحد الواطىء ولو استأجر امرأة فزنى بها لزمها الحد ولو أباحت له الوطء لزمهما الحد ولو أباح وطء جاريته لغيره فعلى ما ذكرنا في الرهن ولو زنت خرساء بناطق أو عكسه أو زنى بامرأة له عليها قصاص لزمهما الحد ويقبل إقرار الأخرس ولو زنى مكلف بمجنونة أو مراهقة أو نائمة حد ولو مكنت مكلفة مجنوناً أو مراهقاً أو استدخلت ذكر نائم لزمها الحد ولو قال‏:‏ زنيت بها فأنكرت لزمه حد الزنى وحد القذف ولو زنى في دار الحرب وجب عليه الحد والمشهور أن للإمام أن يقيمه هناك إن لم يحف فتنة وفي قول لا يقيمه هناك‏.‏

 فصل يشترط لوجوب الحد كون الفاعل مختاراً مكلفاً

فلو أكره رجل على الزنى فزنى لم يجب الحد على الأصح ولا حد على صبي ولا مجنون ومن جهل تحريم الزنى لقرب عهده بالإسلام أو لأنه نشأ ببادية بعيدة عن المسلمين لا حد عليه ومن نشأ بين المسلمين وقال‏:‏ لم أعلم التحريم لم يقبل قوله ولو علم التحريم ولم يعلم تعلق الحد به فقد جعله الإمام على التردد الذي ذكره فيمن وطىء من يظنها مشتركة فكانت غيرها‏.‏

قلت‏:‏ الصحيح الجزم بوجوب الحد وهو المعروف في المذهب والجاري على القواعد‏.‏

والله فصل يشترط للحد ثبوت الزنى عند القاضي ببينة أو إقراره ويستحب لمن ارتكب كبيرة توجب الحد الله تعالى أن يستر على نفسه وهل يستحب للشهود ترك الشهادة في حدود الله تعالى وجهان أصحهما‏:‏ لا لئلا تتعطل‏.‏

قلت‏:‏ الأصح أن الشاهد إن رأى المصلحة في الشهادة شهد وإن رآها في الستر ستر‏.‏

والله أعلم‏.‏

وإذا ثبت الحد لم يجز العفو عنه ولا الشفاعة فيه وإذا قرأ على نفسه بزنى ثم رجع عنه سقط الحد وهل يستحب له الرجوع وجهان أحدهما‏:‏ نعم كالستر ابتداء والثاني لا لأن الهتك قد حصل

قلت‏:‏ مقتضى الحديث الصحيح في قصة ماعز رضي الله عنه أنه يستحب فهو الراجح والله أعلم‏.‏

ولو قال‏:‏ زينت بفلانة فهو مقر بالزنى قاذف لها فإن أنكرت أو قالت‏:‏ كان تزوجني لزمه وحد القذف فإن رجع سقط حد الزنى وحده ولو قال‏:‏ زنيت بها مكرهة لم يجب حد القذف ويجب مع حد الزنى المهر ولا يسقط المهر بالرجوع ولو رجع بعد ما أقيم بعض الحد ترك الباقي ولو قتله شخص بعد الرجوع ففي وجوب القصاص وجهان نقلهما ابن كج وقال‏:‏ الأصح لا يجب وبه قال أبو إسحاق‏:‏ لاختلاف العلماء في سقوط الحد بالرجوع ولو رجع بعد ما جلد بعض الحد فأتم الإمام الحد فمات منه والإمام يعتقد سقوط الحد بالرجوع فنقل ابن قطان في وجوب القصاص قولين فإن قلنا لا يجب نصف الدية أم يوزع على السياط قولان وقال ابن كج‏:‏ عندي لا قصاص والرجوع كقوله كذبت أو رجعت عما أقررت به أو ما زنيت أو كنت فأخذت أو لمست فظننته زنى ولو شهدوا على إقراره بالزنى فقال‏:‏ ما أقررت أو قال بعد حكم الحاكم بإقراره ما أقررت فالصحيح أنه لا يلتفت إلى قوله لأنه تكذيب للشهود والقاضي وعن أبي إسحاق والقاضي أبي الطيب‏:‏ يقبل لأنه غير معترف في الحال وإن قال‏:‏ لا تقيموا علي الحد أو هرب أو امتنع من الاستسلام فهل هو رجوع وجهان أصحهما لا لكن يخلي في الحال ولا يتبع فإن رجع فذاك وإلا أقيم عليه حد ولو أتبع الهارب فرجم فلا ضمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب عليهم في قضية ماعز رضي الله عنه شيئاً والرجوع عن الإقرار بشرب الخمر كالرجوع عن الإقرار بالزنى وفي الرجوع عن الإقرار بالسرقة وقطع الطريق خلاف يأتي في السرقة إن شاء الله تعالى‏.‏

لو تاب من ثبت زناه فهل يسقط الحد عنه بالتوبة قولان وهو الجديد‏:‏ لا يسقط لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى إسقاط الحدود والزواجر ثم قيل‏:‏ القولان فيمن تاب قبل الرفع إلى القاضي فأما بعده فلا يسقط قطعاً وقيل‏:‏ هما في الحالين‏.‏

فرع إذ ثبت زناه ببينة لم يسقط الحد برجوع ولا بالتماس ترك الحد ولا بالهرب ولا غيرها هذا هو المذهب وفيه خلاف حكاه الإمام ولو أقر بالزنى ثم شهد عليه أربعة بالزنى ثم رجع عن الإقرار هل يحد وجهان قال ابن القطان نعم وأبو إسحاق‏:‏ لا إذ لا أثر للبينة مع الإقرار وقد بطل الإقرار‏.‏

فرع الكلام في عدد الشهود لزنى ورجوع بعضهم أو كلهم مذكور في كتاب الشهادات‏.‏

وهناك يذكر إن شاء الله تعالى كيفية الشهادة وأنه يشترط تفسير الزنى بخلاف القذف فإنه لو قال‏:‏ زنيت كان قاذفاً لحصول العار وهل يشترط في الإقرار بالزنى التفسير كالشهادة أم لا كالقذف وجهان‏.‏

قلت‏:‏ الاشتراط أقوى ويستأنس فيه بقصة ماعز رضي الله عنه‏.‏

والله أعلم‏.‏

وسواء شهدوا بالزنى في مجلس أو مجالس متفرقة ولو شهدوا ثم غابوا أو ماتوا فللحاكم أن يحكم بشهادتهم ويقيم الحد‏.‏

وتقبل الشهادة بالزنى بعد تطاول الزمن ولو شهد أربعة على امرأة بالزنى وشهد أربع نسوة أنها عذراء فلا حد للشبهة ولو قذفها قاذف لم يلزمه حد القذف لوجود الشهادة واحتمال عود البكارة وكذا لا يجب حد القذف على الشهود ولو أقامت هي أربعة على أنه أكرهها على الزنى وطلبت المهر وشهد أربع نسوة أنها عذراء فلا حد عليه للشبهة وعليه المهر لأنه يثبت مع الشبهة ولا يجب عليها حد القذف لشهادة الشهود ولو شهد اثنان أنه وطئها بشبهة وأربع نسوة أنها عذراء فلا حد عليه للشبهة ويجب المهر ولو شهد أربعة عليها بالزنى وشهد أربع نسوة أنها رتقاء فليس عليها حد الزنى ولا عليهم حد القذف لأنهم رموا من لا يمكنه الجماع ولو شهد أربعة بالزنى وعين كل واحد منهم زاوية من زاويا بيت فلا حد على المشهود عليه وفي وجوب حد القذف على الشهود خلاف يأتي إن شاء الله تعالى لأنه لم يتم عددهم في زنية لو شهد اثنان أن فلاناً أكره من أربعة هل عليهم حد القذف إن قلنا لا وجب المهر وإلا فلا ولو شهد اثنان أنه زنى بها مكرهة وآخر أنه زنى بها طائعة لم يجب عليها حد الزنى وهل يجب على الرجل يبنى على أن شاهدي الطواعية هل عليهما حد القذف للمرأة قولان إن قلنا‏:‏ نعم وهو الأظهر فلا الشاهدين فاسقان وإن قلنا‏:‏ لا وجب على الأصح لاتفاقهم على زناه وكذلك يجب عليه المهر ولا خلاف أنه لا يجب حد القذف على شاهدي الإكراه ولا يجب حد القذف للرجل‏.‏

 الباب الثاني في استيفاء الحد

فيه طرفان

الطرف الأول في كيفيته وفيه مسائل‏:‏ أحدها‏:‏ إقامة الحدود على الأحرار إلى الإمام أو من فوض إليه الإمام وإذا أمر باستيفائه جاز للمفوض إليه ولا يجب حضور الإمام سواء ثبت بالبينة أو الإقرار ولا حضور الشهود إذا ثبت بالبينة لكن يستحب حضورهم وابتداؤهم بالرجم ويستحب أن يستوفى بحضرة جماعة أقلهم أربعة‏.‏

الثانية‏:‏ لا يقتل المحصن بالسيف لأن المقصود التمثيل به وتنكيله بالرجم فيرجم وليس لما يرجم به تقدير لا جنساً ولا عدداً فقد تصيب الأحجار مقاتله فيموت سريعا وقد تبطىء موته ولا يرمى بصخرة تذفف ولا يطول تعذيبه بالحصيات الخفيفة بل يحيط الناس به فيرمونه من الجوانب بحجارة معتدلة ومدر ونحوها حتى يموت فإن كان رجلاً لم يحفر له عند الرجم سواء ثبت زناه بالبينة أم بالإقرار وفي المرأة أوجه أحدها‏:‏ يستحب أن يحفر إلى صدرها ليكون أستر لها والثاني‏:‏ لا يستحب بل هو إلى خيرة الإمام وأصحها‏:‏ إن ثبت زناها بالبينة يستحب أن يحفر وإن ثبت بالإقرار فلا ليمكنها الهرب إن رجعت‏.‏

الثالثة‏:‏ الصحيح الذي قطع به الجمهور أن الرجم لا يؤخر للمرض لأن نفسه مستوفاة فلا فرق بينه وبين الصحيح وقيل‏:‏ إن ثبت بالإقرار أخر حتى يبرأ لأنه ربما رجع في أثناء الرمي فيعين ذلك على قتله ومثل هذا الخلاف يعود في أنه هل يرجم في شدة الحر والبرد وإن كان الواجب الجلد فإن كان المرض مما يرجى زواله أخر حتى يبرأ وكذا المحدود والمقطوع في حد وغيره لا يقام عليه حد آخر حتى يبرأ وفي وجه لا يؤخر بل يضرب في المرض بحسب ما يحتمله من ضرب بعثكال وغيره ولو ضرب كما يحتمله ثم برأ هل يقام عليه حد الأصحاء وجهان حكاهما ابن كج وليكونا مبنيين على أنه هل تؤخر إقامة الجلد أم تستوفى بحسب الإمكان إن قلنا بالأول فالذي جرى ليس بحد فلا يسقط كما لو جلد المحصن لا يسقط الرجم وإن قلنا بالثاني لم يعد الحد وإن كان المرض مما لا يرجى زواله كالسل والزمانة أو كان مخدجاً وهو الضعيف الخلقة الذي لا يحتمل السياط لم يؤخر إذ لا غاية تنتظر ولا يضرب بالسياط بل يضرب بعثكال عليه مائة شمراخ وهو الغصن ذو الفروع الخفيفة ولا يتعين العثكال بل له الضرب بالنعال وأطراف الثياب كذا حكاه ابن الصباغ والروياني وغيرهما فلو كان على الغصن مائة فرع ضرب به دفعة واحدة وإن كان عليه خمسون ضرب به مرتين وعلى هذا القياس ولا يكفي الوضع عليه بل لا بد مما يسمى ضرباً وينبغي أن تمسه الشماريخ أو ينكبس بعضها على بعض لثقل الغصن ويناله الألم فإن لم تمسه ولا انكبس بعضها على بعض أو شك فيه لم يسقط الحد وفي النهاية وجه ضعيف أنه لا يشترط الإيلام ولا تفرق السياط على الأيام وإن احتمل التفريق بل يقام عليه الممكن ويخلى سبيله ولو كان لا يحتمل السياط المعتبرة في جلد الزنى وأمكن ضربه بقضبان وسياط خفيفة فقد تردد فيه الإمام وقال ظاهر كلام الأصحاب أنه يضرب بالشماريخ والذي أراه أنه يضرب بالأسواط لأنه أقرب إلى صور الحد ولو برأ قبل أن يضرب بالشماريخ أقيم عليه حد الآصحاء وإن برأ بعد لم يعد عليه وفي إقامة الضرب بالشماريخ مقام الضربات والجلد بالسياط مزيد كلام نذكره في الأيمان إن شاء الله تعالى‏.‏

فرع يؤخر قطع السرقة إلى البرء ولو سرق من لا يرجى زوال مرضه قطع على الصحيح لئلا يفوت الحد ولو وجب حد القذف على مريض قال ابن كج‏:‏ يقال للمستحق‏:‏ اصبر إلى البرء أو اقتصر على الضرب بالعثكال وفي التهذيب أنه يجلد بالسياط سواء يرجى زوال مرضه أم لا لأن حقوق الآدمي مبنية على الضيق وجلد الشرب كجلد الزنى‏.‏

فرع الرابعة‏:‏ لا يقام الجلد في حر ولا برد شديدين بل يؤخر إلى اعتدال الوقت وكذا القطع في السرقة بخلاف القصاص وحد القذف وأما الرجم فإن ثبت بالبينة لم يؤخر لأنه مقتول وكذا إن ثبت بالإقرار على الصحيح‏.‏

فرع لو جلد الإمام في مرض أو شدة حر أو برد فهلك المجلود بالسراية فالنص أنه لا يضمن‏.‏

ونص أنه لو ختن أقلف في شدة حر أو برد فهلك ضمن فقيل في وجوب الضمان فيهما‏:‏ قولان وقيل‏:‏ بظاهر النصيحة وهو الأصح لأن الجلد ثبت بالنص والختان بالاجتهاد فإن أوجبنا الضمان فهل يضمن جميعه أم نصفه وجهان وهل الضمان على عاقلة الإمام أم في بيت المال قولان سبقا قال الإمام‏:‏ إن لم نوجب الضمان فالتأخير مستحب قطعاً وإن أوجبناه فوجهان أحدهما‏:‏ أن التأخير واجب وضمناه لتركه الواجب والثاني‏:‏ يجوز التعجيل ولكن بشرط سلامة العاقبة كما في التعزير وفي عبارة الغزالي ما يشعر بأن الراجح استحباب التأخير وفي المهذب وغيره الجزم بأنه لا يجوز التعجيل في شدة الحر والبرد ويجوز أن يقال بوجوب التأخير مع الاختلاف في وجوب الضمان كما يجب على آحاد الناس تفويض رجم الزاني المحصن إلى الإمام مع الاختلاف في ضمانه لو بادر بقتله‏.‏

قلت‏:‏ المذهب وجوب التأخير مطلقاً‏.‏

والله أعلم‏.‏

ولو عجل جلد المريض قبل برئه فهلك ففي ضمانه الخلاف في الجلد في الحر والبرد بلا فرق

الطرف الثاني في بيان مستوفيه فإن كان المحدود حراً فالمستوفي الإمام أو من فوض إليه كما سبق هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع الأصحاب وحكي عن القفال رواية قول‏:‏ إنه يجوز للآحاد استيفاؤه حسبة كالأمر بالمعروف وليس بشيء‏.‏

وإن كان مملوكاً فلسيده إقامة الحد عليه وله تفويضه إلى غيره ولا يحتاج إلى أذن الإمام فيه وسواء العبد والأمة وخرج ابن القاص قولاً في العبد كأنه ألحقه بالاجبار على النكاح ولم يوافق عليه بل قطع الأصحاب بأن له إقامته عليهما ويجوز للإمام أيضاً إقامته على الرقيق ومن بدر إليه منهما وقع الموقع وهل الأولى للسيد أن يقيمه بنفسه ليكون أستر أم الأولى تفويضه إلى الإمام ليخرج من خلاف أبي حنيفة في إلحاقه بالحر وجهان نقلهما الشيخ أبو خلف الطبري‏.‏

قلت‏:‏ أصحهما الأول لثبوت الحديث فيه ولا يراعى الخروج من خلاف يخالف السنة‏.‏

والله أعلم‏.‏

ولو تنازع في إقامته الإمام والسيد فأيهما أولى فيه احتمالات للإمام أظهرها‏:‏ الإمام لعموم ولايته والثاني‏:‏ السيد لغرض أصلاً ح ملكه والثالث‏:‏ إن كان جلدا فالسيد وإن كان قتلا أو قطعاً فالإمام لأن إعمال السلاح بصاحب الأمر أليق والعبد المشترك يقيم حده ملاكه وتوزع السياط على قدر الملك فإن حصل كسر فوض المنكسر إلى أحدهم وهل يغربه السيد إن قلنا بتغريب العبد وجهان أصحهما‏:‏ نعم لأنه بعض الحد والمدبر وأم الولد والمعلق عتقه كالقن والمكاتب كالحر على الصحيح وعن ابن القطان كالقن ومن بعضه حر لا يحده إلا الإمام وهل إقامة السيد الحد بالولاية على ملكه كولاية التزويج أم تأديباً وأصلاً حا كمعاًلجته بالفصد والحجامة وجهان‏.‏

فرع فيما يقيمه السيد على رقيقه من العقوبات أما التعزير فله ذلك في حقوق الله تعالى كما يؤدبه لحق نفسه وفيه وجه ضعيف لأن التعزير غير مضبوط فيفتقر إلى اجتهاده وأما الحدود فله الجلد في الزنى والقذف والشرب وفي الشرب وجه لأن للسيد في بضع أمته وعبده حقاً فإنه لا يتزوج إلا بإذنه بخلاف الشرب وقياس هذا الفرق مجيء الوجه في جلد القذف وهل له قطعه في السرقة والمحاربة وقتله في الردة وجهان الأصح المنصوص نعم لإطلاق الخبر ومنهم من جزم بجواز القطع وأجرى ابن الصباغ وجماعة هذا الخلاف في القطع والقتل قصاصاً وفي التهذيب أن الأصح أن القطع والقتل إلى الإمام‏.‏

فرع في أحوال السيد إن جمع شروط الولاية أقام الحد وإن كان السيد امرأة فهل تقيمه هي أم السلطان أم وليها فيه أوجه أصحها الأول وللفاسق والمكاتب والكافر إقامته على رقيقهم على الأصح بناء على أن سبيله سبيل الأصلاً ح وفي كتاب ابن كج أن السيد لا يحد عبيد مكاتبه على المذهب وإن قلنا يحدهم المكاتب إذ لا تصرف له فيهم وفيه أنه ليس لكافر أن يحد عبده المسلم بحال وهل يقيم الأب والجد والوصي والقيم الحد على رقيق الطفل وجهان وقيل‏:‏ لا يجوز لغير الأب والجد وفيهما ال وجهان ويشبه أن يقال‏:‏ إن قلنا الحد أصلاً ح فلهم قامته وإن قلنا ولاية ففيه الخلاف وهل يجوز كون السيد جاهلاً وجهان بناء على أنه أصلاً ح أم ولاية ويشترط كونه عالماً بقدر الحد وكيفيته‏.‏

فرع العقوبة التي يقيمها السيد على عبده يقيمها إذا أقر العبد عنده بموجبها فلو شاهده السيد فله إقامتها على الأصح وله سماع البينة بذلك على الأصح لأنه يملك إقامة هذا الحد فيسمع بينته كالإمام وعلى هذا ينظر تزكية الشهود ويشترط كونه عالماً بصفاتهم وأحكام الحدود وقيل‏:‏ ليس له سماعها وإنما يحده بعد ثبوته عند الإمام‏.‏

فرع قذف رقيق زوجته الرقيقة هل يلاعن بينهما السيد كما يقيم الحد وجهان ولو قذف العبد سيده فله إقامة الحد عليه ولو قذف السيد عبده فله رفع الأمر إلى القاضي ليعزره ولو زنى ذمي ثم نقض العهد واسترق لم يسقط عنه الحد ويقيمه الإمام لا السيد لأنه لم يكن مملوكاً يومئذ ولو زنى عبد فباعه سيده فإقامة الحد إلى المشتري اعتباراً بحال الاستيفاء‏.‏

من قتل حداً بالرجم وغيره غسل وكفن وصلي عليه ودفن في مقابر المسلمين‏.‏